
لا شك أن سوق البضائع السائبة الجافة تشكل سوقاً رئيسياً وحساساً للعاملين في النقل البحري في منطقه البحر المتوسط بصفة عامة، وللناقلين العرب في هذه المنطقة بصفة خاصة، ولم يعد يخفى على أحد أن هذه السوق تشهد اليوم تراجعاً كبيراً، حتى إنها تجاوزت مرحلة الربح إلى مرحلة لم يعد فيها العمل مجدياً في بعض الحالات، بل وباتت تتكبد الخسائر.
ومن الجدير بالذكر أن مؤشر البلطيق للبضائع السائبة الجافة والذي يؤثر مباشرة في تحديد أسعار الناولون Freight Rates يشهد انخفاضات قد توصف بالانهيارات المتواصلة منذ عام 2012 وربما قبله بفترة، فهل ستشهد هذه السوق تحسنا في الفترة المقبلة وتعود إلى ربحيتها المعهودة؟ ومتى سيكون ذلك؟
تغيرات مؤشر البلطيق للبضائع الجافة السائبة خلال الأعوام الخمسة الماضية
(يظهر جلياً التراجع الكبير في المؤشر رغم بعض التقدم الذي أحرزه خلال فترات وجيزة جداً)
"من الممكن لسوق البضائع السائبة الجافة أن تعود لتصبح ذات ربحية جيدة مجدداً في عام 2019، ولكن وفقط شرط اتباع سلسلة من المعايير الصارمة للغاية، والطويلة الامد من قبل ملاك السفن، عاما تلو عام ".
هذا هو نص الرسالة التي صرح بها Philippe Louis-Dreyfus رئيس منظمة المجلس البحري الدولي البلطيقي BIMCO، قبيل معرض Posidonia 2016 المنعقد بين السادس والعاشر من حزيران/ يونيو الحالي في العاصمة اليونانية أثينا، في صيغة تحليل جديد للسوق أطلقته BIMCO تحت اسم "الطريق إلى الانتعاش" ليوضح ما يجب على قطاع البضائع السائبة الجافة فعله لينتعش ويعود إلى الربحية.
وقد طورت BIMCO نماذج جديدة لتسليط الضوء على الإجراءات التي تحتاجها أسواق النقل البحري التي تعاني حالة الركود بصفة عامة لتعود وتنشط، ولتكون قادرة على متابعة التقدم وتحقيق الانتعاش.
وبالاعتماد على النماذج سابقة الذكر، طورت BIMCO سيناريو دعته "بالنمو الصفري في جانب العرض" لتحقيق الانتعاش في سوق البضائع السائبة الجافة. ويتطلب هذا السيناريو من ملاك السفن الحد من الزيادة في العرض (زيادة سعة التحميل capacity) الناتج عن استلام سفن جديدة كل عام، وذلك عن طريق التخلص من سعة تحميل مساوية القدر من الأسطول الحالي، ويتحقق ذلك ببيع قدر مساو بالحمولة من الاسطول الحالي "كحديد خردة".
وقد وصف السيد Louis-Dreyfus في تعليق له على النموذج المذكور وضع السوق المذكورة آنفاً "بالمزري"، وأضاف:
"لا يمكننا أن نتوقع تحسن وضع السوق بنمو الطلب، فانتعاش السوق كلياً وحصرياً في أيدينا، نحن ملاك السفن.
الحل لن يكون سهل المنال، فقد تم الوصول إلى تحقيق "نمو العرض الصفري" ثلاث مرات فقط في التاريخ الحديث، بين ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. والمهمة التي أمامنا ضخمة ويجب أن يتواصل تنفيذها عاما بعد آخر.
نحن بحاجة إلى هدم عدد هائل من السفن والامتناع عن بناء سفن جديدة."
أصر رئيس BIMCO السيد Philippe Louis-Dreyfus أيضاً على أن تخريد السفن القديمة ليس مجرد طريقة جيدة للوصول إلى سوق أفضل، بل هو أيضاً أمر محوري ينصب في صالح البيئة (في إشارة إلى معايير اتفاقية MARPOL والتلوث الجوي بانبعاثات العادم)، وأخيراً وليس آخراً، لسلامة الطواقم العاملة عليها، على حد تعبيره.
وقد عني الجزء الأول من التحليل واستخدام نموذج "نمو العرض الصفري" بقطاع البضائع السائبة الجافة، ولكن BIMCO سوف تستخدم في وقت لاحق أيضاً نماذج أخرى لتحليل التغيرات الأساسية في أسواق الشحن الأخرى.
هذا ومن الجدير بالذكر أن العديد من الموانئ العالمية قد بدأت منذ فترة بمنع دخول السفن التي تجاوزت أعمارها حداً معيناً، لأسباب عديدة، ومنها رفض بعض السفن التي لا تحقق متطلبات MARPOL للتلوث الجوي، الأمر الذي انعكس سلباً على كثير من ملاك السفن والناقلين، وزاد الفرص أمام الناقلين الذين يشغلون سفناً جديدة للسيطرة على السوق.
وفي نهاية المطاف يجب التنويه إلى أن إغفال دراسة BIMCO سيؤدي إلى سيطرة الملاك الذين يشغلون السفن الجديدة على السوق سيطرة مطلقة، وسيؤدي الاستمرار في امتلاك السفن القديمة إلى استمرار زيادة العرض وتردي وضع السوق، الأمر الذي سيقود بالنتيجة إلى عدم تحسن حالة السوق، وإلى ماهو أهم، تهميش وتحييد الناقلين الذين يعملون على تشغيل السفن القديمة.
التعليقات: