لقد تطور التنقل في المحيطات ليصبح أكثر عملانيةً وأكثر مرونةً خلال ما يسمى بالفترة الكولومبية (فترة اكتشافات كريستوفر كولومبس)، ويعود الفضل في ذلك بشكل أساسي للبوصلة المغناطيسية. وقد اكتشف مؤخراً سجل السفينة الذي استخدمه كريستوفر كولومبس أثناء إبحاره، حيث يظهر قياسات ورصدات مسجلة أثناء الإبحار، وأثبتت تلك السجلات أن كريستوفر كولومبس كان أحد الملاحين الذي استخدموا تقنية الموقع الحسابي في تحديد موقع السفينة.
وتعتبر خريطة Carta Pisana أقدم خريطة مكتشفة استخدمت هذه التقنية إذ يعود تاريخها إلى عام 1275 م.
إن تقنية الموقع الحسابي واحدة من أقدم الطرق الرئيسية في الملاحة القديمة، فقد طور ملاّحو البحر المتوسط هذه التقنية على مدى مئتي عام قبل الحقبة الكولومبية، ولا تزال أساسيات هذا العلم مضمّنة في منظومة الملاحة الحديثة إلى يومنا هذا.
يتمكن الملاح بواسطة هذه التقنية من تحديد موقعه الحالي المرتكز على آخر موقع تمّ تحديده أو من تحديد الموقع التي تتجه إليه السفينة المبحرة من خلال حساب الموقع الحالي. إضافة لذلك، تساهم طريقة الموقع الحسابي في التنبؤ بوقت الشروق والغروب وهطول المطر وأوقات الوصول. ويبقى الاستخدام الرئيس لهذه الطريقة هو في تمكين الملاحين من التنبؤ بالوضع الذي ستكون عليه الرحلة الأمر الذي يمكّنهم من تجنب الكثير من الأخطار.
كثير من الملاحين اليوم للأسف يجهلون حقيقة هذه الطريقة بالرغم من بساطتها وسهولتها وذلك بسبب الاعتماد الكلي على الـ GPS الذي جعلهم يتناسون الطرق القديمة لتحديد الموقع وفي مقدمتها طريقة الموقع الحسابي.
تعتمد طريقة الموقع الحسابي بكل بساطة على القانون الشهير
المسافة = السرعة X الزمن
لنفرض سفينة ما في الموقع A الساعة 10:00 وهو آخر موقع تم توقيعه على الخريطة وتسير بخط سير حقيقي 45º وسرعة مقدارها 7 عقدة.
إذا أردنا معرفة الموقع الحسابي للسفينة في الساعة 11:30 نطبق القانون البسيط التالي:
D=S x T/60
حيث إن:
D: المسافة المقطوعة مقدرة بالميل البحري (nmile).
S: سرعة المركب (Knot).
T: الوقت مقدراً بالدقائق
7 Knot × 90 min /60 = 10.5 nmile
وهي المسافة المقطوعة خلال 90 دقيقة.
نفتح الديفايدر بمقدار 10.5 ميل بحري (القيمة الموافقة حسب مقياس الرسم على الخريطة) ونضع رأس الديفايدر على الموقع عند الساعة 10:00 فيما يحدد الرأس الثاني نقطة باتجاه خط السير الحقيقي التي تسير عليه السفينة (والذي هو 45º في مثالنا)، النقطة التي أشار اليها رأس الديفايدر الثاني هي الموقع الحسابي للسفينة عند الساعة 11:30.
والجدير بالذكر أن كريستوفر كولومبس كان قد استخدم هذه الطريقة في الإبحار إلى العالم الجديد أربع مرات، فقد ساعدته على الإبحار وصولاً إلى جزر البحر الكاريبي والعودة إلى اسبانيا دون أي خطأ.
وقبل تلك الفترة، كان الملاح أول ما يقيس المسافة التي قطعتها السفينة من نقطة محددة كمرفأ أو مدينة. وبالاعتماد على الطريقة آنفة الذكر كان عليه أن يعتمد التسجيل اليومي للمعطيات، فقد كانت الخرائط تُجهّز مسبقاً ثم تُستخدم الإبر لتمييز النقاط على الخريطة، وكانت تستخدم البوصلة المغناطيسية في تلك الأيام لحساب الاتجاه.
أما الطريقة التي كانت مستخدمة لحساب سرعة السفينة فإنها تستحق الالتفات قليلاً، إذ كان يتم استنتاج السرعة حسابياً:
يتم تمييز جانب المقدم والمؤخر بإشارة معينة، ثم ترمى قطعة من الخشب أمام مقدمة السفينة، ويحسب الوقت الذي تحتاجه قطعة الخشب لتقطع المسافة بين الإشارتين، وبما أن طول السفينة معلوم بطبيعة الحال فإنه يتم حساب السرعة وتسجيلها على الخريطة وفي سجل السفينة في فترات منتظمة.
أما في أيامنا هذه، فيتم اتباع ذات الأساليب التي كانت متبعة في حساب السرعة لكن ضمن مقاييس ومعدات أكثر عصرية.
وإلى ذلك يعتبر عدم الأخذ بتأثيرات الريح والتيارات أثناء استخدام تقنية الموقع الحسابي أحد أهم عيوب هذه التقنية، لكنها تبقى طريقة فعالة وذات أهمية في حال حدوث أي عطل أو خلل في المعدات المستخدمة في تحديد المواقع.
المصطلحات: